الـسـلام عـلـيـكـم ورحـمـة الله وبـركـاتـه،
أحييكم وأرحب بكم في الدوحة متمنياً لكم طـيب الإقامـة.
ينعقد مؤتمر أقل البلدان نموا في دورته الخامسة، في ظل التحديات الخطيرة التي يشهدها العالم في الوقت الراهن الناجمة عن النزاعات الدولية الجديدة، وأزمة الأمن الغذائي العالمي وظاهرة تغير المناخ، واستمرار بعض آثار جائحة كوفيد 19. وسوف يكون علينا استحضار هذه التحديات ونحن نخطط للمستقبل المشترك لشعوبنا، وأوطاننا للعقد القادم من عمر مجموعة أقل البلدان نموا. فلا يزال الملايين في هذه البلدان يعانون من الفقر، ونقص الغذاء والرعاية الصحية والتعليم.
ولا شك في أنها أولا مسألة بنيوية متعلقة بغياب العدالة عن العلاقة بين المراكز الصناعية المتقدمة والأطراف في عالمنا، ولكنها أيضا مسألة سياسات اقتصادية تنموية رشيدة في البلدان الأقل نموا. فقد نجح بعضها في تجاوز التهميش بفضل سياساته التنموية. ولكنها في جميع الأحوال، قضيتنا جميعا. إنها قضية عالمية. وهذا ما يجب أن تدركه الدول المتقدمة ومجتمعاتها.
ينعقد اجتماعنا وإخواننا في تركيا وسوريا ما زالوا يعانون من آثار كارثة الزلزال الهائل التي أصابتهما وتضرر منها الملايين، وإني من هنا، إذ أؤكد، باسمكم جميعا، على تضامننا مع الاشقاء في تركيا وسوريا، أدعو الجميع لدعم جهود تركيا في تجاوز آثار هذه الكارثة، وأؤكد على ضرورة مد يد العون من دون تردد للشعب السوري الشقيق. وأستغرب تأخر المساعدات في الوصول إلى هذا الشعب، مؤكداً على عدم جواز استغلال المأساة الإنسانية لأغراض سياسية.
الـسـيـدات والـسـادة،
ليس ثمة سبيل نتمكن من خلاله من بناء عالم جديد أكثر أمانا وعدلا وحرية لليوم والغد سوى سبيل التضامن الدولي الإنساني، ومن هذا المنطلق فإن انعقاد هذا المؤتمر، يُمثل تجديداً لتضامننا، ووحدة ارادتنا في مواجهة التحديات المشتركة واستشراف حلول ناجعة ومستدامة لها.
ويمثل هذا المؤتمر فرصة مهمة لتقييم ما أُنجز في إطار أولويات برنامج عمل إسطنبول الذي مر عليه أكثر من عقد من الزمن. وفي هذا السياق، فإن برنامج عمل الدوحة الذي توِّجت المفاوضات الحكومية في نيويورك بالاتفاق عليه، هو أساس لخارطة الطريق لدعم ومواجهة مشكلات أقل الدول نموا في العقد المقبل. ولا يكتمل نجاح المؤتمر بإقراره فحسب، بل أيضا بحسن تنفيذه.
إننا نثمن ما تحقق في إطار المنجزات المستهدفة الخمسة لأقل البلدان نمواً والمتمثلة في انشاء نظام تخزين المواد الغذائية، وإمكانية جامعة افتراضية أو منصات مكافئة لهذه البلدان، والتدابير الشاملة لأصحاب المصلحة المتعددين للتخفيف من حدة الأزمات وبناء القدرة على الصمود، وتنفيذ نظم لتشجيع الاستثمار في هذه البلدان، ومِرفَق لدعم الرفع من قائمة أقل البلدان نمواً بطريقة مستدامة.
الـضـيـوف الـكــرام،
ثمة مسؤولية عالمية مشتركة في مواجهة تحديات الأمن الغذائي، والتغير المناخي، وأزمة الطاقة، وأزمة الديون، وايجاد الحلول هي مهمة ومسؤولية جماعيًة وتشاركية بين الدول كافة. بيد أنه، وبغض النظر عن تحليلنا لخلفيات الفجوة بين الدول المتطورة والدول الأقل نموا، هناك مسؤولية أخلاقية واجبة على الدول الغنية والمتقدمة في أن تسهم بشكل أكبر في مساعدة أقل الدول نموا بغية التغلب على التحديات العالمية التي نحن بصددها. هذه مسؤولية وليست معروفًا.
ومن ناحية أخرى، يتحتم على أقل البلدان نموا أن تهيئ الظروف المواتية لتحويل الالتزامات المشتركة إلى فعل وطني على مستوى الاستراتيجيات، والخطط، والتشريعات الوطنية.
ليست هذه الدول مسؤولة عن الماضي، ولكن من واجبها اتباع سياسات رشيدة في الحاضر. نقول ذلك مع أخذ المعوقات البنيوية القائمة بالاعتبار، وكذلك العلاقات غير المتكافئة بين الشمال والجنوب في عالمنا.
الـسـيـدات والـســادة،
أغتنم هذا الفرصة للإشادة بالمبادرات الإيجابية لمحاربة الفقر، وتلبية الاحتياجات العاجلة للأمن الغذائي للعديد من الدول المحتاجة. ولكن لا يمكن حل أزمة الأمن الغذائي عبر المساعدات الانسانية الطارئة أو المعالجات المؤقتة فقط. ولا بد من مساعدة الدول على تحقيق الأمن الغذائي. وقد طرحنا مبادرات في إطار معالجة جذور المشكلة، مثل مبادرة التحالف العالمي للأراضي الجافة وذلك لتمكين الدول ذات الأراضي الجافة مـن تـحقيق الأمن الغذائي. وطرح غيرنا مبادرات أيضا.
وربما يكون من المناسب احياء شعار الأمين العام للأمم المتحدة “صفر فقر” في العالم. الذي يحتاج تحقيقه إلى تضافر الجهود الدولية لتطبيق خطة تنمية بشرية على المستوى العالمي.
في هذا الإطار يجب الانتباه إلى العلاقة بين السلام والتنمية، فلا يمكن تحقيق الأمن الغذائي فضلا عن التنمية في ظروف استمرار الحروب الأهلية في عدد من أفقر الدول.
الـسـيـدات والـسـادة،
وفي سياق تناولنا للأزمات الدولية الملحة وتداعياتها الوخيمة على أقل البلدان نموا، تتجلى بقوة أزمة الديون التي كبلت مسيرة النماء والتطور في هذه الدول. ونثمن هنا الجهود التي قامت بها مجموعة العشرين، خاصة قمة القادة الاستثنائية التي استضافتها المملكة العربية السعودية الشقيقة بشأن كوفيد -19 والخطوات التي اُتخذت تحت رئاسة إيطاليا فيما يتصل بتعليق زمني لمدفوعات خدمة الديون لأفقر البلدان.
ولكن قضية الديون تحتاج إلى معالجة أشمل تتوخى العدالة والواقعية وكسر الحلقة المفرغة التي تستدين فيها الدول لأغراض تنموية مثل إرساء البنى التحتية وغيرها، ويفاقم سداد الدين من الفقر ويحول دون القيام بمشاريع تنموية.
وفيما يتعلق بأزمة المناخ، أحرزت قمة شرم الشيخ في مصر الشقيقة إنجازا في انشاء صندوق التعويض عن الخسائر والأضرار المخصص للبلدان النامية. ونحن ومن منطلق التزامنا بمكافحة التغير المناخي وبالسياسات المقرة دوليا في هذا الشأن، نطمح في أن تتحلى الدول الصناعية المتقدمة بمسؤولياتها القانونية والأخلاقية في اتخاذ قرارات وتدابير أكثر فعالية ونجاعـة بشـأن الانبعـاث.
الـسـيـدات والـسـادة،
تعتز دولة قطر بمواصلة دورها الفاعل في العمل الدولي متعدد الأطراف في مختلف المجالات، التنموية، والإنسانية، وحقوق الإنسان، والوساطة لتعزيز السلم والأمـن الدولـيين.
وفي هذا السياق، ومن منطلق رؤيتنا الوطنية 2030 والتي تعلي قيم ومبادئ التعاون والشراكة، والتضامن في مساعدة الدول والشعوب والمجتمعات التي تعاني من الأزمات الإنسانية، والنزاعات، والفقر، والديون، فقد قدمت دولة قطر الكثير من المساهمات الإنسانية، والانمائية وفقا لصيغ التعاون الثنائي، والتعاون المتعدد الأطراف، خصوصا في إطار الشراكات الاستراتيجية مع الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية الرائدة الأخـرى.
وانطلاقاً من التزام دولة قطر الثابت تجاه دعم عملية التنمية لأقل البلدان نمواً، أعلن عن تقديم مساهمة مالية بإجمالي مبلغ 60 مليون دولار أمريكي، يُخصَّص منها مبلغ 10 مليون دولار لدعم تنفيذ أنشطة برنامج عمل الدوحة لصالح أقل البلدان نمواً، ويُخَصَّص مبلغ 50 مليون دولار لدعم النتائج المُتوخاة لبرنامج عمل الدوحة وبناء القدرات على الصــمود في أقـل البلــدان نـمـواً. وأدعو الشركاء التنمويين بأن يحذو حذو قطر ويبادروا بدعم تنفيذ برنامج عمل الدوحة كجزء من واجبنا الإنساني والتنموي تجـاه شعـوب البلـدان الأقـل نمـواً.
إننا على ثقة أن هذا المؤتمر ومن خلال البناء على النجاحات التي تحققت في مسيرة تحقيق النمو والازدهار وخلق سبل عيش مستدامة، سيسهم في دعم مسيرة البلدان الأقل نمواً نحو تحقيق التنمية فيها للسنوات العشر القادمة، وبما ينسجم مع خطة التنمية المستدامة لعام 2030.
وختاماً، أكرر الترحيب بكم في الدوحة، المدينة التي تقدم فضاء للوساطات والحوارات والمؤتمرات المتعددة الأطراف والنشاط الثقافي والإنتاج الفكري، المدينة التي شهدت مؤخرا أنجح دورات كأس العالم، متمنياً لهذا المؤتمر تحقيق الأهداف المنشودة، وتحقيق تطلعات شعوب هذه البلدان التي تتجه أنظارها إلى ما سيتمخض عن هذا المؤتمـر المهـم.
والسـلام عليكـم ورحـمـة الله وبـركـاتـه،