5 نوفمبر 2013
خطاب سمو الأمير المفدى في افتتاح دور الانعقاد الـ 42 لمجلس الشورى
بسم الله، وعلى بركته سبحانه، أعلن افتتاح الدورة الثانية والأربعين لأعمال مجلس الشورى.
حضرات الإخوة الكرام أعضاء مجلس الشورى،
مع افتتاح دور الانعقاد السنوي العادي لمجلسكم الموقر أحيّيكم متمنّيًا لكم عملاً مثمرا، وكلي ثقة أن مداولاتِكم سوف تكونُ بنّاءة ومفيدة، كما عوّدتمونا دائماً، وأن المجلس سوف يكونُ عامراً بمساهماتكم القيمة في إثراء العمل التشريعيِّ، وتهيئة الأطر القانونية اللازمة لتنظيم أوجهِ الأنشطةِ المختلفةِ في الدولة، وفي دفع مسيرة التنمية نحو أهدافها.
ويمكننا أيها الأخوة تلخيص أهداف التنمية بما في ذلك رؤية قطر 2030، بثلاث كلمات: بناء الوطن والمواطن. ومنها تُشْتَقّ المهمات الكبرى المنوطة بقيادة الدولة.
فنحن نعتبر بناء المؤسسات التي تقوم على الإدارة العقلانية للموارد، والمعايير المهنيّة، ومقاييس الإنتاجية والنجاعة، وخدمة الصالح العام من جهة، والحرص على رفاهية المواطن، وتأهيله للعمل المنتج والمفيد، وتنشئته ليجد معنى لحياته في خدمة وطنه ومجتمعه من جهة أخرى، وجهين لعملية التنمية التي نصبو إليها.
وكما تعلمون حضراتكم، فإن التنمية الشاملة لبلادنا كانت، وما تزال، هي الشغل الشاغل لنا، إيماناً منّا بأن التنميةَ المتكاملةَ والمتوازنةَ هي السبيل إلى إقامة الدولة الحديثة التي تستجيب لمتطلّبات العصر، وتحقق لقطر المكانة الرائدة التي نصبو إليها، وللشعب القطري مستوى العيش الكريم الذي يليق به، وذلك من دون أن نتخلى عن انتمائنا القَطَري العربي الأصيل وعقيدتنا الإسلامية السمحاء.
ونحمد الله، العلي القدير، على أننا بعونه تعالى، نواصل الطريق الصحيح الذي بدأه سمو الأمير الوالد في تحقيق الجزء الأكبر من أهدافنا.
ففي الجانب الاقتصادي، ورغم عدم وضوح الرؤية بالنسبة للاقتصاد العالمي، وعدم الاستقرار الذي يحول دون التعافي الكامل من الأزمات المتتالية التي تعاني منها العديد من الاقتصاديات المتقدمة والناشئة على السواء، يستمر الاقتصاد القطري في إنجازاته، محققاً أفضل النتائج وفقاً للرؤية والاستراتيجية التي وضعت له.
ولقد نما الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي عام 2012 بنسبة أقل إذا ما قورن بمعدلات النمو السابقة. ولكن إذا أخذنا بعين الاعتبار أن معدل النمو في القطاع النفطي كان قليلاً فإن تحقيق معدل النمو هذا في الناتج المحلي الإجمالي تطلّب معدّلَ نموٍ في القطاع غير النفطي يصل إلى10%، وهذا إنجاز ليس باليسير.
وهذا ما يجب العمل عليه في تنويع بنية الاقتصاد القطري، وذلك بمشاركة القطاع الخاص، وتشجيع المبادرة الخاصة التي تحسن تشخيص الإمكانيات وحاجات السوق، وذلك في إطار ضبط الأسعار والتخطيط التنموي للبلاد.
بالإضافة لذلك فإن معدل النمو المنجز في العام 2012 يعتبر معدلاً مرموقا أيضاً إذا ما قورن بمعدلات النمو للعام نفسه مع عدد من المجموعات الاقتصادية، فهو ضعف معدل النمو العالمي، وخمسة أضعاف معدل النمو في الدول المتقدمة.
إن المحافظة على معدلات نمو سنوية جيدة في السنوات المقبلة تعتبر تحدياً كبيراً في ظل الانخفاض المتوقع في معدلات نمو القطاع الهيدروكربوني. وذلك يتطلب مضاعفة الجهود لزيادة الإنتاجية، وتحسين الكفاءة الاقتصادية والفنية، وتعزيز التنويع الاقتصادي، وتشجيع ريادة الأعمال، والتوسع في البحث والتطوير، والسير قدماً باتجاه الاقتصاد المعرفي. وهذا هو بالفعل ما نعمل على تحقيقه خلال المرحلة المقبلة.
لقد رافق معدل النمو الحقيقي في الناتج المحلي الإجمالي مؤشرات أخرى تظهر متانة الاقتصاد القطري منها:
أن النفقات الحكومية في الموازنة العامة للسنة المالية 2013-2014 أعلى من أية نفقات في موازنات سابقة وأعلى بنسبة 17% من النفقات للسنة المالية 2012-2013.
وقد جاءت هذه الزيادة في الوقت المناسب للتعويض عن انخفاض النمو في القطاع النفطي، بالاستمرار في التحفيز المالي وضرورة الإنفاق على أولويات استراتيجية التنمية الوطنية 2011-2016 التي تشمل الصحة والتعليم وتطوير البنية التحتية.
وحافظت دولة قطر على مراتبها العليا في التنافسية العالمية وعلى مؤشراتها المرتفعة نسبياً في مجال التنمية البشرية. كما أن قطر حققت أعلى مؤشر للتنمية البشرية بين دول الخليج العربية في تقرير التنمية البشرية لعام 2013 الصادر عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة.
ليست هذه المقارنة للتباهي وإنما للتعرف على مناطق القوة للمحافظة عليها وعلى مناطق الضعف للعمل على تطويرها والتغلب عليها. ويظل القطاع الخاص شريكاً رئيسياً في التنمية، سواء في تنويع مصادر الدخل أو توسيع القاعدة الإنتاجية للدولة، ومن ثم فإن تشجيع ذلك القطاع، وإزالة ما يعترضه من معوّقات، وتقديم الحوافز الضرورية له، تقع على عاتق الحكومة في المقام الأول.
ومن واجب مجتمع الأعمال وغرفة التجارة التعاون مع الحكومة بتقديم كافة المقترحات والحلول اللازمة لتمكين القطاع الخاص من القيام بدوره. وثمة حاجة لتذليل مصاعب أمام القطاع الخاص مثل كسر الاحتكار، وتوفير أجواء التنافس، والتغلب على العوائق البيروقراطية، وتقليص حجم وعدد المؤسسات والشركات الوسيطة بين قطاع الدولة من جهة، والمبادرين ورجال الأعمال من جهة أخرى.
حضرات الإخوة الكرام،
لقد أكّدت قطر موقعها المتقدم كأفضل دولة قادرة على المنافسة في الشرق الأوسط، كما بقيت ضمن أفضل عشرين اقتصاداً على مستوى العالم هذا العام.
ولم يكن حصول دولة قطر على مراتب متقدمة في العديد من المؤشرات الدولية إلا حصاد جهود مكثفة وكبيرة من الحكومة والقطاع الخاص وما زلنا نطمح لتحقيق المزيد لتحسين مركزنا في باقي المؤشرات.
وعلى الرغم من الاضطرابات الاقتصادية التي يشهدها العالم، شق القطاع المالي في قطر طريقه نحو التقدم والارتقاء بخدماته، وقد تُوِّج ذلك بانضمام سوق قطر للمال إلى مجموعة الأسواق الناشئة، كما حافظت قطر على مستوى تصنيفها الائتماني المرتفع، الذي نعمل على رفعه كذلك، من خلال تعزيز الشفافية في الإجراءات التنافسية في الأسواق، وتبسيط التشريعات والقوانين.
من ناحية أخرى تستمر قطر في التمتع بمركز مالي قوي حيث حققت فائضاً بلغت نسبته 10,4% من الناتج المحلي الإجمالي مدعوماً بسياسة متحفظة في تقدير أسعار النفط لأغراض الموازنة.
وسوف تستمر الحكومة في تخطيط موازنة في إطار إنفاق متوسط المدى، بحيث تراعي الأولويات، والاعتمادات المخصصة لكل قطاع، مع التركيز على المخرجات والنتائج.
أيها الإخوة،
لقد أنعم الله علينا بثروة طبيعية ما كانت لتحقّق لنا هذه المداخيل لولا توفر الرؤية والجرأة عند سمو الأمير الوالد للاستثمار البعيد المدى في هذه الثروة. ويفترض أن نحافظ عليها وأن نحضر البدائل لها.
وعلى الرغم من المستوى المعيشي المرتفع الذي يمكننا أن نوفره، إلا أننا يجب أن نتعامل مع ثرواتنا واقتصادنا بمسؤولية. وهذا لا يتعلق بالجيل القادم فحسب، بل بنوع الإنسان الذي نعمل على تنشئته في الحاضر؛ هل هو إنسان منتج، أم هو إنسان مستهلِك فحسب؟ المسؤولية الاجتماعية، وعدم الانزلاق إلى التبذير غير المسؤول هي من مكوّنات شخصية الإنسان الذي نريد؛ قال تعالى: “وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً”، صدق الله العظيم.
وفي هذا السياق لا بد أيها الإخوة من دراسة الأسباب التي ترفع تكلفة بعض المشاريع في دولة قطر بشكل لا يتلاءم مع التكلفة والربح والعرض والطلب، والبحث في سبب ارتفاع تكلفة العقارات والتخزين، وسوء الإدارة الذي يؤدي إلى التغيير المتواتر في مواصفات المشاريع على حساب الدولة، أو في تأجيلها والمماطلة في تنفيذها، ثم القيام بتنفيذها على عجل، وبشروط أسوأ تزيد من الكلفة.
الإخوة أعضاء مجلس الشورى،
وإذا كان من حقنا أن نسعد بما تحقق في السنوات الماضية من إنجازات فإننا ينبغي ألا نغفل عن بعض الظواهر السلبية التي قد تصاحبها وأهمها مشكلة التضخم.
فلقد صاحب معدلات النمو المرتفعة والإنفاق الضخم على البنية التحتية ومشاريع التطوير وما واكبها من زيادة في عدد السكان، زيادة في الأسعار، ولا شك أن للتضخم آثاره السلبية على النمو وعلى المجتمع، ولذلك فإن ارتفاع الأسعار مشكلة تقلق الجميع وستعمل الحكومة على احتوائها بكافة السبل والأدوات المتاحة، وأخص بالذكر السياسات النقدية والمالية، ومحاربة الاحتكار، وتشجيع التنافسية، ووضع جدول زمني مناسب للاستثمار في المشاريع الكبرى، والتنسيق بينها حتى لا تتركز في فترة زمنية قصيرة تؤدي إلى الضغط على القدرات الاستيعابية المتوفرة، ولقد شُكِّلت لجنةٌ حكوميةٌ لغرض اقتراح الحلول اللازمة للسيطرة على أية ضغوط تضخمية، داخلية أو خارجية.
ولا بد للأفراد ومنظّمات المجتمع المدني وغرفة تجارة وصناعة قطر من القيام بدورها والعمل على تجنب أية زيادات غير مبررة في الأسعار، فالمسؤولية مشتركة، ودور تلك الجهات لا يقل أهمية عن دور الدولة في هذا السبيل.
الإخوة الأفاضل،
تمثل التنمية البشرية أحد أهم الركائز الأساسية في رؤية قطر، ويظل المواطن القطري محور اهتمامنا الرئيسي من خلال توفير أفضل مستويات التعليم التي تضمن له الرقي والتقدم، والاهتمام بصحته البدنية والنفسية، وتحافظ في الوقت نفسه على هويته، ولغته العربية كمركب رئيس في هويتنا وثقافتنا؛ فلا تناقض بين التطور والأصالة، وبالعكس فإن جميع شعوب العالم قد تطوّرت بلغاتها وطوّرتها معها، من دون أن يمنع ذلك من تعلم اللغات الأجنبية وإتقانها كضرورة للتطور العلمي والاقتصادي والحضاري بشكل عام.
ولهذا فإن الحكومة لن تألو جهداً في زيادة المخصص للإنفاق على التعليم وتطويره، ولقد شكل الإنفاق على التعليم ما نسبته 13,4% من إجمالي الموازنة لهذا العام، وما يعادل 3,8% من إجمالي الناتج المحلي، وسوف نعمل على الاستمرار في الإنفاق على البحوث والتطوير والتوسع في نظام القسائم التعليمية، وبرامج الابتعاث والتدريب، وتحسين جودة العملية التعليمية، فالتعليم هو قاطرة التقدم.
وفي المجال الصحي تضمنت موازنة العام المالي 2013/2014 زيادة قدرها 13% لتحقيق مستويات أفضل من الخدمات الصحية، كما اعتُمِدت استراتيجية الرعاية الصحية الأولية لتصبح أولوية وطنية للارتقاء بالمنظومة الصحية، ومضاعفة عدد المراكز الصحية في الأعوام الخمسة القادمة مع التوسع في الخدمات الطبية وتنوّعها وعلى الأخص الخدمات الوقائية. كما أُطلِقت المرحلة الأولى من نظام التأمين الصحي الاجتماعي هذا العام الذي من المفترض أن يغطي المواطنين كافة مع بداية سنة 2016.
ولكن كما سبق أن قلت في خطابي الذي وجهته لإخواني القطريين عند تولّي مقاليد الحكم، إن العبرة تبقى في النتائج. ولكنني أقول في الوقت ذاته، إنه لا يجوز أن نخدع أنفسنا، فهذا أسوأ من خداع الآخرين، لأن من يخدع نفسه يسد أمام نفسه الطريق لإصلاح الأخطاء. ومعيار النجاح في مجالات التنمية البشرية من صحة وتعليم وثقافة ورياضة وغيرها لا يقاس بحجم الاستثمار فحسب (ونحن لن نقصّر في هذا إن شاء الله) بل تكمن العبرة في العمل بنجاعة وإخلاص، وفي المُخرجات والنتائج.
لقد حققنا الكثير في السنوات الماضية على طريق التنمية وبناء المؤسسات، وعلى صعيد تقدم المواطن القطري. ولا يمكن أن تُنفَّذ سياسة تنمية بشرية إذا كنا لا نحاسب على التقصير، أو سوء الإدارة، أو الفساد. من يعمل يخطئ أيها الإخوة، والامتناع عن المبادرة والعمل ليس حلا، ولكن لا يجوز بأي حال من الأحوال الاستخفاف بمعايير العمل، أو مكافأة من يستخف بها بدلا عن محاسبته.
لقد عُرِف القطريون من قديم الزمان بحسن أخلاقهم وكرمهم وتواضعهم، وإقلالهم الكلام وإكثارهم العمل، ونصرتهم المظلوم. وأخشى أن يفوتنا أن ننقل إلى شبابنا قيمَنا الأصيلة هذه، قيم العمل، والتواضع، وحسنِ الخُلق، ومعاملة الآخرين باحترام. فعلينا أن نحرص أن يجد الشاب معنى لحياته في هذا كله، في ظروف الحضارة الاستهلاكية؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ما من شيء في الميزان أثقل من حسن الخلق”، وقال أيضا “إنما بُعِثْتُ لأتمّم مكارمَ الأخلاق”. وهل من هدف للتنشئة والتربية أسمى من هذا الهدف؟
الإخوة الكرام،
قامت سياستنا الخارجية دائماً على أساس من مبادئ التعايش السلمي، والتعاون مع كافة الدول والشعوب، والاحترام المتبادل، وتعزيز المصالح المشتركة، وتوطيد الأمن والسلم الدوليين، والحرص من واقع وجودنا في منطقة الخليج، وانتمائنا العربي والإسلامي على المشاركة الفعّالة في قضايا وهموم أمتينا العربية والإسلامية.
ولقد عملنا دائماً على تعزيز مجلس التعاون الخليجي وتحقيق التكامل بين دوله، وعلى تعزيز التضامن العربي وتطوير منظومة العمل العربي المشترك، لكي يكون للعرب كيان وصوت في هذا العالم. ومن خلال ترؤّسِها للقمّةِ العربيةِ عملت دولة قطر على الوصول إلى رؤية مشتركة للعديد من القضايا المطروحة على الساحة العربية، ونعتقد أننا كنا دائماً قريبين من نبض الرأي العام العربي وتطلعات الشعوب العربية للعدالة والكرامة.
وتظل القضية الفلسطينية محور اهتمام سياستنا العربية والخارجية بشكل عام. فما زال هذا الجرح العربي والفلسطيني في جسد الأمة مزمِنًا وملتهِبًا. وفي كل يوم تُبعِدُ إسرائيل بسياستها الاستيطانية العدوانية أفق الحل العادل لهذه القضية. إن من يتحمل المسؤولية الأساسية عن استمرار القضية الفلسطينية ومعاناة الفلسطينيين دون حل هو التعنت الإسرائيلي، ومواصلة الحصار الجائر على قطاع غزة وسياسة الضم والاستيطان، في القدس والضفة الغربية والجولان السوري المحتل، والتساهل الدولي مع هذا التعنت، والذي يصل حدّ التواطؤ.
ولكن لا بد من توجيه اللوم أيضا للتقصير العربي بحــق القضـايـا العربيــة، وعلـى رأسهــا قضيــة فلسطيـــن، والانقسام الفلسطيني الذي يشكّل عاملاً أساسيًا في إضعاف الموقف الفلسطيني وإفساح المجال لإسرائيل لتصعيد سياستها العدوانية في ظل انشغال العرب والفلسطينيين بخلافاتهم.
حضرات الإخوة،
تعلمون جميعاً تطوّرات الشأن السوري، حيث يستمر الصراع بين الثوّار، وجيشِ النظام، وما يرتكبه الأخير من فظائع تمثّل جرائم ضد الإنسانية، وصلت ذروتها أخيراً إلى استخدام السلاح الكيماوي المحرّم دولياً ضد المدنيين العزل. ومع أن النظام سبق أن قصف مدنه بالطائرات وتسبب بمقتل ما يزيد على مائة ألف سوري وسورية، وعلى الرغم من تشريد الملايين، فقد هزت تلك المذبحة ببشاعتها وهولها الضمير الإنساني في مختلف دول العالم دون استثناء، وتوقع العالم بأسره تحركاً حازماً من المجتمع الدولي ممثلاً في الأمم المتحدة يتناسب مع هول تلك المأساة وبشاعتها. وجاء قرار مجلس الأمن الدولي الذي تعرفونه جميعاً بنزع أسلحة النظام الكيماوية دون تناول جوهر المشكلة السورية.
لم يقم الشعب السوري بثورته ويتحمل ما لا طاقة للبشر باحتماله من أجل نزع الأسلحة الكيماوية للنظام الذي يحكمه، بل للتخلص من حكم لا يتورع عن استخدامها ضد شعبهِ. لقد عجز المجتمع الدولي عن التصدي لنظام ارتكب وما زال يرتكب جرائم ضد الإنسانية، وعجز حتى عن اتخاذ قرارات ملزمة توقف سفك الدماء، وذلك بسبب استخدام حق النقض في مجلس الأمن من بعض الدول، وشلها بذلك لقدرة المجلس على اتخاذ القرارات المناسبة من جهة، وبسبب ازدواجية المعايير المستفحلة في السياسة الدولية من جهة أخرى، ولذلك وعلى أثر تجربتنا الطويلة مع المجلس في القضية الفلسطينية، وفي قضية الشعب السوري حاليا، فقد دعوت في كلمتي أمام الأمم المتحدة في شهر سبتمبر الماضي إلى ضرورة الإسراع في تحقيق إصلاح شامل لمنظومة الأمم المتحدة ومجلس الأمن. وبغير ذلك الإصلاح ستفقد الشعوب ثقتها في الشرعية الدولية والعدالة التي يتعين أن تعمل على تحقيقها.
لن نتخلّى عن الشعب السوري الشقيق الذي أصبح يدافع عن كرامته ووجوده على أرضه، وليس فقط لتحقيق الحرية والعدالة. ولا يجوز أن يحاول أحد الاستعاضة عن تحقيق العدل لهذا الشعب الذي دفع أبهظ الأثمان وسجل سطورا من البطولة والعزة، بمفاوضات غير مشروطة وغير محددة زمنيا، ولا تقود إلى شيء.
فالمفاوضات ينبغي أن تدور من أجل التوصل إلى حل سياسي على أساس الاعتراف بمطالب الشعب السوري العادلة، وعلى أساس جدولٍ زمني لتحقيقها.
حضرات الإخوة الكرام أعضاء مجلس الشورى،
نحن واثقون من صحة التوجه القائم على الجمع بين المواقف المبدئية والمصالح العليا لشعبنا وأمتنا، وبالتعامل مع دول العالم على أساس المصالح والاحترام المتبادل، كما نثق بقدرات شعبنا وفطرته السليمة.
أتمنى لكم عملاً مثمراَ في دورتكم السنوية، وآمل أن نلتقي في العام القادم بإذن الله، وقد حققنا المزيد في خدمة قطر وأهلها الأعزاء، وفقكم الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.